مشاهد من سيرة إطار معطل بعد سنتين من الاعتصام في شوارع الرباط


بقلم: سعيد الحاجي، عضو مجموعة الصمود للأطر العليا المعطلة

المشهد الأول:
الزمان: يونيو سنة 2008 ، المكان: مدرج الكلية
يجلس مجموعة من الطلبة في المدرج وأمامهم اصطف بضعة أساتذة يشكلون لجنة لمناقشة رسالة الماستر التي تقدم بها طالب باحث كان واقفا في ركن القاعة ويبدو واثقا من نفسه وهو يرتب أوراقه استعدادا لانطلاق المناقشة التي ستدور أطوارها في جو أحس الطالب من خلاله أنه قد بذل مجهودا طيلة سنوات من الدراسة أهلته ليناقش اليوم من طرف أساتذة أجلاء، تنتهي المناقشة بثناء اللجنة على الطالب وعلى إيقاع تصفيقات الحاضرين من الطلبة والأصدقاء إلى جانب الأب والأم وباقي أفراد الأسرة، يتلقى الطالب التهاني ويسارع إلى تقبيل يد والده فيما يحتضن أمه بقوة وهي تكفكف دموعا انهمرت فرحا بفلذة كبدها التي كافحت من أجله وسهرت على تربيته وتوفير الأجواء الملائمة لدراسته رغم قلة ذات اليد، أحست الأم التي لم يسبق لها أن جلست على مقاعد الدرس، أن ابنها أصبح ذا شأن كبير وأصبح مهما بعد أن نال شهادته العليا فيما أثنى الأب على الله أن جعل ابنه ينهي دراسته بتفوق ويحصل على عمل قد يريح الأب من عناء العمل مقابل أجر زهيد وقد شارف على السبعين عاما من العمر ولا يزال يعمل حارسا ليليا بأحد الأسواق.
المشهد الثاني: بعد مرور ستة أشهر
أخذ صبر الشاب ينفذ بعدما طرق أبوابا كثيرة دون جدوى وبعدما أصبح القيام باكرا والطواف على الشركات والإدارات لوضع طلبات العمل شيئا روتينيا يقوم به وهو مقتنع بلا جدواه، لا مباريات في الأفق، فرص عمل بأجر زهيد لا يكفي حتى للمصاريف الشخصية فبالأحرى مساعدة الأسرة، وخلال كل هذا تصاب الأم بمرض مزمن يزيد من عبئ المصاريف على الأب المعيل الوحيد للأسرة، يحس الشاب بالمسؤولية وقصر ذات اليد في نفس الآن، تحاول الأم رغم مرضها التخفيف من يأس الابن، جسد أم طريحة الفراش فيما روحها تدفعه بقوة إلى الصبر وبذل المزيد من الجهد، سئم الشاب عبور الزقاق الطويل تحت نظرات الجيران وتساؤلاتهم الهامسة حول عطالة ذلك الطالب النجيب، فيما تتهاوى على رأسه كالفأس الحاد أسئلة بريئة لإخوة صغار، ألن تذهب إلى العمل؟ ألم تمضي سنوات طويلة في الدراسة وكان أبي يقول لنا أنك ستصبح موظفا كبيرا؟ أسئلة كثيرة وغيرها يتلقاها الشاب وهو يتقطع من الحسرة، ليتخذ قراره الأخير ويستقر رأيه على مبادرة أخرى أشد قسوة ومرارة.
المشهد الثالث: بعد ستة أشهر أخرى
المكان: المركز العام للاتحاد المغربي للشغل بالرباط
يدلف الشاب البناية بخطوات متثاقلة، يتجه ينزل الأدراج التي تؤدي إلى المقصف والتي أصبح يحفظها عن ظهر قلب، طاولات صغيرة متناثرة هنا وهناك، وجوه كالحة ودخان سجائر رديئة يقسم فضاء المقصف إلى طبقتين مما يضفي المزيد من الكآبة على المكان، نقاشات هنا وهناك، هل هناك جديد في الملف؟ من أصيب في مسيرة أمس؟ ماذا قال لكم المحاور؟ أسئلة كثيرة تلوكها ألسن بلكنات مختلفة ولهجات متنوعة تجعل المرء يحس بأنه من بين القواسم المشتركة بين المغاربة من الشمال إلى الجنوب هناك البطالة، يجر الشاب نفسه جرا إلى أقرب مقعد وينزوي في ركن قصي وهو يسترجع شريط الذكريات القصير، وبين الفينة والأخرى يتحسس لحيته الكثيفة التي أهملها لأيام، يتذكر أيام الجامعة والتألق والطموحات الكبير ومساره الدراسي الطويل الذي انتهى به في قبو يحتسي فيه فنجان قهوة يتقاسمه ثلاثة معطلين، يتذكر الأب الذي أصبح يخطو بخطوات متثاقلة أشبه بطفل صغير من فرط التقدم في السن، يتذكر الأم طريحة الفراش والتي يحس بقلبها إلى جانبه خوفا عليه من ضربات غادرة على يد مخازني أو رجل " السيمي " أمام البرلمان.
المشهد الرابع: الأيام الأولى من سنة 2011
المكان: منزل فقير في حي هامشي
اصطفت مجموعة من الكراسي بجانب الباب المهترئ للمنزل، ووقف شاب نحيل ذو شعر منفوش يرتدي جلبابا رثا وعيناه محمرتان من فرط البكاء، شارد النظرات يحتضن طفلة صغيرة تمسك بطرف جلبابه وهي تتأمل مشدوهة أناسا كثيرين يقدمون التعازي لشقيقها الأكبر في وفاة أمه نتيجة تدهور مفاجئ في حالتها الصحية، حاول الشاب أن يبدو متماسكا مؤمنا بقضاء الله وقدره، لكنه فور رؤية مجموعة من زملائه المعطلين احتضن أحدهم وأجهشوا جميعا بالبكاء.
بكوا بحرقة على زميل لم يمهل الموت والدته حتى تفرح قليلا بابنها الذي ضحت من أجله كثيرا..
بكوا بحرقة على زميل لم يستطع رد ولو جزء يسير جدا مما منحته أمه طيلة ما يقارب الثلاثين سنة..
بكوا كثيرا لأن زميلهم يجب أن يلعب دور الأم ومساندة الأب والسهر على الإخوة الصغار وفي نفس الوقت دور المعطل الذي يناضل من أجل حقه في الشغل ..
بعد أزيد من سنتين من العطالة، وبعد فقدان الأم، وبعد شيخوخة الأب، وبعد فقدان الأشقاء للثقة في مقاعد الدراسة.
بعد كل هذا ....
أي طعم للوظيفة ..
وأي طعم للحياة ....

                                                                    للمشاهدة إضغط هنا

              محللون يستبعدون تكرار ثورة الياسمين في المغرب

من حظ عاطل مغربي من حملة الشهادات الجامعية العُليا أنه أقدم صيف العام 2010 على إحراق نفسه أمام البرلمان وحظي بفرصة أُخرى في الحياة وبنيل وظيفة.. ولم يلق نفس مصير محمد البوعزيزي التونسي الذي توفي وإن كانت بادرته قد أفلحت في إفلات بلاده من القبضة الحديدية لنظام الرئيس الهارب للسعودية زين العابدين بن علي.
ذات العاطل المغربي "ع.ب" قال ضمن تصريح خاص برُويترز: "البوعزيزي جر معه بلاده إلى ثورة.. وأنا كنت سببا في تشغيل 1130 من حملة الشواهد العليا المعطلون في المغرب.". وزاد لذات الوكالة العالمية: ""شعرت بالتهميش والظلم وأقدمت على هذه الخطوة ولم أكن أظن أنني سأعيش بعدها.". هذا قبل أن يقر بأنّ أسرته لا تعرف حقيقة ما أقدم عليه لأنه أخبرها كاذبا بأن آثار الحرق على بدنه تسبب فيها حادث.. ويردف: "البوعزيزي أثار ضجة في بلاده وأنقذها من مخالب دكتاتور، أما أنا فحتى الصحافة لم تلتفت إلي وتكتب عني.. باستثناء جرائد قليلة."
محللون وحقوقيون مغاربة يرون حاليا أن المملكة بمنأى عن الوضعية التونسية رغم الدينامية العالية التي تشهدها حركات احتجاجية مستمرة.. ومن بين هؤلاء تتواجد رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خديجة الرياضي، التي ترى أنّ لكل بلد خصوصياته رغم كون البلدان المغاربية تتشابه في تدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقمع الحريات.. وقالت: "في الجزائر لم تتخذ الاحتجاجات نفس منحى تونس، وفي المغرب نحن نعيش من زمان على وقع احتجاجات ،كما أنه سبق وأن صب معطلون البنزين على أنفسهم دون أن تتخذ الاحتجاجات حجم تونس.". وأردفت: "القمع في تونس كان أشد والنظام كان مفرطا في الدكتاتورية."
شوارع الرباط تعرف منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي احتجاجات منتظمة للشبان من خريجي الجامعات والعاطلين عن العمل، إذ تقدر إحصائيات رسمية تعدادهم في 180 ألف عاطل ينضم إلى صفوفهم عشرات الخريجين سنويا.. وهو ما يقول بشأنه مصطفى الربان المسؤول بمجموعة الصمود للأطر العليا المعطلة: "الحركة الاحتجاجية في المغرب، وبخاصة حركة الجامعيين المعطلين، ممتدة منذ أواسط التسعينيات ولها مطلب واحد هو التشغيل ونرفض تسييس الملف.". وأضاف: "الحركة الاحتجاجية التونسية وليدة لحظة.. عكسنا نحن الذين تسمح لنا الدولة بالتظاهر بشكل يومي في الوقت الذي كان التظاهر بالشارع التونسي في عهد بن علي ممنوعا.". وأردف: "بالرغم من أننا نتعرض للعنف والقمع في كثير من الأحيان لكننا نستمر في التظاهر.. والدولة تشغل البعض منا في نهاية الأمر."
أمّا عادل وكيل، المكلف بالإعلام في مجموعة النضال للأطر العليا المعطلة بالمغرب، فيرى بأنّ تونس كانت وسط سكون في الحركة الاحتجاجية عكس المغرب المستفيد من هامش انفتاح نسبي سمح باستمرار الحركات الاحتجاجية الشعبية منذ أواسط التسعينيات.. وعقّب قائلا: "نحتج يوميا إلى درجة غدت معها تحركاتنا مستهلكة وروتينية بشكل لم تعد حتّى الصحافة تهتم به."
أما مصطفى الخلفي، المحلل السياسي ومدير نشر يومية التجديد، فيرى أنّ مشكل خريجي الجامعات العاطلون عن العمل في المغرب قائم بوجود أزيد من 200 ألف منهم.. ويضيف: " الدولة لجأت لخيار التعامل الايجابي مع الاحتجاجات كما أن الحكومة التزمت بتخصيص 10 في المائة من ميزانيتها لتشغيل حاملي الشهادات المعطلين".. قبل أن يورد: "المسؤولون المغاربة مطالبون بالانتباه للحدث التونسي لأنه وقع في بلد تنميته أفضل من المغرب وله استقرار متجذر.. ولأنّ ذات الحدث يعطي درسا كبيرا بأن هناك علاقة وطيدة بين الاحتجاج والحرية السياسية." وأنّ: "المغرب يعمل على سياسة الاحتواء الايجابي للاحتجاجات الشعبية كما ظهر في سيدي افني والعيون بتشكيل لجان تقص للحقائق.". وينبّه: "في المغرب يقع الاحتجاج ثم القمع.. لكن سرعان ما تستجيب السلطة للمطالب بقدر من الانفتاح السياسي."
ويرى الخلفي بأنّ المغرب شهد انتهاكات حقوقية جسيمة في الفترة الممتدّة من العام 1956 إلى 1999.. وهو عهد حكم الملك الراحل الحسن الثاني.. إلاّ أنّ احتواءها تمّ بهيئة كلفت بطي ماضي الانتهاكات الجسيمة.. وزاد: "المغرب أخذ درسا من الماضي ووسع في هامش الحريات، لكن أقلية من المسؤولين المغاربة انبهروا بالنموذج التونسي وضغطوا مؤخرا في اتجاه تراجع المكتسبات والحقوق المنتزعة قبل سنوات.. وظهرت في محاكمة الصحفيين وتهميش المؤسسات الحديثة وظهور أفكار استئصالية تضرب التعددية السياسية عرض الحائط.. من بينها تطبيقات قانون مكافحة الإرهاب."
* رُويترز ـ بتصرف من هسبريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق