دروس في الوطنية بعد التخرج


بقلم عبد الله هدراي عضو لجنة الاعلام

كثيرا ما كنت أتحير في إعطاء مفهوم للوطن، أهو الرقعة أو التاريخ أو الضمير أو العَلم أو الذكريات أو الألم ... إلا أن وقوفي المكره تحت المطر الغزير والريح الشديدة التي صاحبته في أزقة " العاصمة "، أقف تارة وأركض أخرى، وأنا مبتل عن آخري، أرفع الشعار تلو الآخر، وأصدر أصواتا تنبي عن حال ليس هو الحال، وتنبي عن مآل ليس له مآل، وأصدر أصواتا غريبة تثبت الكفاءة التي تحصلنا عليها في العشرين سنة التي منحناها للتكوين، إذ تحضرنا بما فيه الكفاية لمثل هذه اللحظات الفلسفية المأزومة بامتياز، إنها أعمارنا تختصر في تلك اللحظة الغريبة؛ تائها، باكيا، ومبتلا ب " الغيث "، متأبطا أسرتك وهويتك وسلالتك وعلَمك وذاكرتك، والتفاهة التي درستها طوال حياتك ... تتأبط كل ذلك لا شيء إلا لتفهم ما تعنيه كلمة " الوطن " - إنها بيداغوجيا الكفاءات والذكاءات والبلاءات و...-، الوطن يا ولدي باختصار الاختصار، أن تحبو على ظهرك حتى تعيش، وأن تعيش في روث مأساتك وتتجرع " حريرة " ولادتك في هذه الرقعة عبر الإبر، أو الماء أو الهواء المعدل، كل ذلك لتستمر في الاحتضار المدعو مجازا لا أدبيا ب " الحياة الكريمة " ... فتصير " إطار .. مغربيا ..عاليا .. معطلا "، نعم إطارا بلون إطارات ميشلان، ومغربيا بمعنى تلك الصور الفوتوغرافية التي التقطتها عدسات الفرنسيين لآبائنا، مليئة بالتجاعيد والوجوم واللباس الرث ذي المسحة التشكيلية غير المرتبة والمتسخة والمعبرة من خلال نظرات صاحب الصورة وشاربيه وخطوط جبينه، معبرة عن لحظتك هذه، نعم عن لحظة وقوفك تحت المطر والعطل الغزير مطالبا باللقمة والعيش الكريم ... تلتقي الصورتان واللحظتان في المكان والشخص وتختلفان في الزمان، ما يعني استمرارك أيها المغربي في معاودة الدور الجانبي ككومبارس في فيلم له أبطاله، ممن حافظ على صورتك الثمينة في المتاحف، ليحافظوا على الذاكرة والذاكرة ... ليحافظوا على طقوسك في الحبو نباحا في سبيل إدخالك البيت الدافئ وفي سبيل إطعامك اللقمة الطيبة .. نعم هو حق، كما سيكون عتاب الكثيرين لي ... لكنه الحق الذي في نظري يعني ذلك الرسم وذلك المعنى الذي تحدد لكلمة الوطن لدي، ففي بلدي تمرغت في أوحال التهالك موتا على الحقوقية، وتمرغت وحلا في ماء الحركة الوطنية المبارك، في بلدي تذوقت طعم الغريب يأكل من الشجرة المحرمة، لكنه لا ينفى وإلا فسد الفيلم وتعطل المخرج وضاعت الذاكرة المريرة، والتي ينبغي ألا نضيعها باعتبارها رمزنا المحلي، رمزنا العميق في التاريخ ... في اللحظة تلك راقبتني الأمهات وهن يلعن ذلك الرحم الذي تبرزني للعراء، وتهجمني الطفل من على الأكتاف زاعما أنه لن يكرر المشهد – زعما – ولذلك بدأ في العويل طلبا للحليب من أمه لكي لا ينسى عهدا قريبا له بالدفئ والكفاف داخل حياته ذات التسعة أشهر في أرض كان أسَاسَها وسيدها وملهمها ونفَسها وروحها وكل انتفاخاتها الظاهرة لنا بكبرياء... تأملني الشيخ من على الشرفة و من داخل المقهى، وهو يرتشف سوادا ويدخن سوادا ويلبس سوادا... ففهمت مقصوده .. وعلمت حينها أن ما توصلت إليه من خلاصة وطنية .. سبقنى إليها هذا الجسد المتهالك على أعتاب الأبواب لا داخلها.

                                                                      
 مجموعة الصمود للأطر العليا المعطلة 2009، سنة برؤوس متعددة

بقلم  سعيد الحاجي عضو لجنة الإعلام
  منذ زمن طويل، دأب الناس على الاحتفال برأس كل سنة ميلادية، احتفالات يقيمها الناس لدواع مختلفة، يتوجون فيها سنتهم ويعدون فيها مكتسباتهم والإنجازات التي حققوها، ويضعون فيها تقييما لكل سياساتهم وخططهم، ليكون رأس السنة هو ذلك اليوم الذي بقدر ما يختم سنة فارطة بقدر ما يعطي انطلاقة سنة جديدة مفعمة بالأماني والتطلعات والعمليات الحسابية بالنسبة للبعض الآخر لمراكمة ما يمكن مراكمته من أرباح أو إنجازات أو أو أو ...،                                                               
من البديهي إذن أن يكون احتفال رأس السنة مختلفا كثيرا بين فئات المجتمع، فالاحتفال عند علية القوم يكون بقرع كؤوس الشمبانيا وتنظيم رحلات ( الشوبينغ ) إلى العواصم الأوريبة والعربية، لاستغلال فرص التخفيض والتباهي أمام الأقران في حفلاتهم التي لا تنتهي على مدار السنة.
هناك الفئات الفقيرة التي تكابد عناء اقتناء قطعة حلوى دائرية بدراهم معدودات حتى تقنع نفسها عبثا بدخول سنة جديدة، في تجسيد تام لأهم مظاهر الاستلاب الثقافي الذي يعاني منه مجتمعنا المغربي، ثم هناك الفئة المتدينة التي ترى في هذا الاحتفال بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وأن الاحتفال الحقيقي يجب أن يكون بمطلع سنة 1431 ه والذي مر في هدوء وبالكاد انتبه إليه البعض.
لنأتي الآن إلى رأس سنة من نوع خاص، رأس السنة لدى الأطر العليا المعطلة المرابطة بالرباط، وهو الرأس الأهم بالنسبة لنا باعتبارنا جزءا من هذا الكيان الذي ما فتئت زرواطة المخزن تزخرف جنباته في محاولة لرسم لوحة تشكيلية ستكون ولاشك هي الأروع في معرض الفنون القمعية.
عندما يحل رأس السنة يتذكر ذلك الإطار المعطل أن اثني عشرا شهرا مرت من حياته لم يفعل فيها أي شيء سوى إحصاء عدد الضربات التي تلقاها من طرف السيمي أو المخازنية.
تتذكر تلك المعطلة أن سنة مرت لم تحقق فيها تقدما سوى ذلك التقدم الملموس بدرجات عديدة في سلم العنوسة، أو تلك الخطيبة التي أوشكت خطبتها على البوار بسبب كل هذا الانتظار الذي لا يبدو أنه سينتهي يوما ما، أو ذلك الزفاف الذي أصبح مثل أحلام اليقظة في لحظة هروب من الواقع إلى خيال جميل لا يلبث أن يكشر عن أنيابه ليعيدك إلى الواقع المرير.
عندما يحل رأس السنة ينتبه ذلك الإطار المعطل أن سنة مرت على أب أو أم فوق فراش المرض ينتظران تحقيق حلمهما برؤية ابنهما أو ابنتهما موظفا في الدولة، وليوفر لهما مصاريف العلاج من مرض تعبا التسول من أجل توفير دواء له، كلهما أمل في البقاء على قيد الحياة ليس من أجل الشفاء وإنما من أجل فرحة بابن أنقذ من العطالة، حتى ولو اختلطت فرحتهما بسكرات الموت، وقبل أن يداهمهما الموت في لحظة هلع على ابن أو ابنة يركضان هربا من زرواطة القمع.
يتذكر الإطار المعطل أن طابورا من الأشقاء والشقيقات الصغار ينتظر تلك الوظيفة ليجدوا مبررا لإتمام دراستهم، حتى لا يصيبهم الإحباط وهم في بداية المشوار الدراسي ويقنتعون بأن الشيء الوحيد الذي تضمنه لك عشرون سنة من الدراسة هو حصة من الضرب والسب والشتم أمام قبة يسمونها البرلمان في الرباط.
سيتذكر ذلك الإطار المعطل أن سنة مرت من المراحل الأخيرة لشبابه، دون أن يستطيع تخيل حتى تلك الفتاة التي يمكن أن يقترن بها ويكونا أسرة وينجبا أبناء يستطيع أن يلاعبهم في طفولتهم ويشاركهم جزءا من حيوية شبابهم، دون أن يضطر للزواج وقد اشتعل رأسه شيبا وسقطت نصف أسنانه من فرط الشيخوخة أو من فرط لكمة غادرة من رجل أمن تجعله يخجل من الابتسام حتى في ليلة زفافه.
سينتبه ذلك الإطار المعطل أن رأس هذه السنة هو آخر أجل حدده له الأهل والأقرباء لنفاذ ذلك الدعم المالي الذي يحصل عليه للقدوم إلى مدينة الرباط طلبا لحقه في الوظيفة العمومية، حيث ستكتشف الأسرة أن كل الدعم المالي الذي قدمته له لم يضمن له من حق سوى حقه من التعذيب الجسدي واللفظي أمام البرلمان.
سينتبه ذلك الإطار المعطل أن سنة مرت على الوعد الذي قدمته له الحكومة بالإدماج والتوظيف المباشر في الوظيفة العمومية، وستحتفل الحكومة بنجاحها في تضليل الأطر العليا المعطلة كل هذا الوقت ولسنة كاملة.
سينتبه ذلك الإطار المعطل أن سنة مرت دون أن يختفي ألم ضربة قد تلقاها من طرف السيمي أو المخازنية، ما يقوي شكه المرضي بأن هذا الألم سيتحول إلى ألم مزمن أو عاهة مستديمة لن ينفع معها راتب السلم الحادي عشر أو الحادي والعشرين.
سينتبه الإطار المعطل أخيرا، أن سنة مرت واقترب الوقت لتنفيذ الشطر الثاني من شعار طالما رددته أمام البرلمان: " عاهدنا العائلات إما التوظيف أو الممات "
لقد مرت سنة 2009 دون أن نحقق الجزء الأول من العهد، الذي لا زالت الحكومة تماطل بشأنه بشكل بشع، وتبقى سنة 2010 سنة الانتقال إلى الشطر الثاني من العهد.................ولاشك أنه هو الأرجح.
هكذا يبدو رأس السنة لإطار من مجموعة الصمود للأطر العليا المعطلة التي ترابط منذ سنة كاملة بشوارع مدينة الرباط......... سنة برؤوس متعددة.
                                                          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق