المعطلون بالرباط وعود فارغة، وضعية مأساوية وكوارث وشيكة
سعيد الحاجي، عضو مجموعة الصمود للأطر العليا المعطلة
بعد هدنة استمرت لأزيد من شهر بين مجموعات الأطر العليا المعطلة المرابطة بشوارع الرباط والحكومة على إثر اتفاق 7 أبريل 2010 بمقر ولاية الرباط، عادت المجموعات لتلتئم مرة أخرى بالرباط خصوصا وأن الحكومة قد حددت في الاتفاق المذكور تاريخ 15 ماي 2010 حدا أقصى للإعلان عن عدد المناصب المخصصة للأطر العليا المعطلة، وقد استغل العديد من المعطلين هذه الهدنة لزيارة أسرهم في المدن والمناطق البعيدة التي أتوا منها، خصوصا وأن الأغلبية الساحقة منهم ليسوا أبناء الرباط، وأغلبيتهم أيضا قضوا شهورا طويلة دون رؤية الأهل والأحباب، بعض المعطلين كانت مفاجأتهم كبيرة حينما عادوا إلى ديارهم ووجدوا متغيرات كثيرة، وجدوا المعارف والأصدقاء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر في صراع مع مرض ازدادت وطأته.
عادوا إلى ديارهم حاملين معهم وعودا أكثر جدية هذه المرة حسب المسؤولين، مثلما وجدوا العديد من الأسئلة والاستفسارات والانطباعات حول سحنتهم ووزنهم الذي نقص بفعل سوء التغذية وظروف السكن المزرية والتفكير بشكل مستمر في وعود الحكومة الفارغة التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، مجرد وعود لا تزيدهم إلا حيرة وارتباكا وفقدانا للثقة في الخطاب الرسمي، هذا التأخير المبالغ فيه للإعلان عن الحل الذي قد يشملهم أو يتركهم معانقين شبح البطالة إلى أجل غير مسمى، عادوا إلى الرباط وقد حملوا معهم تذمر كل من صادفوه من عطالتهم التي نفذ حجم تعاطف الناس معها، حتى الأسر التي تكابد العناء لتوفير مصاريف أبنائها المعطلين للاستمرار في النضال من أجل حقهم العادل والمشروع.
موقف المعطل يكون فعلا مزريا ومحرجا أمام الناس، إلى متى سيستمر في تبشير الأسر والأصدقاء بقرب التوظيف؟ في الوقت الذي يعلمون فيه يقينا أن الحكومة تقدم لهم كل مرة حزمة جديدة من الوعود الفارغة واستعراض الإكراهات التقنية والقانونية التي تواجهها، ومن الصعب أن يفهم الجميع ما يحكى لهم من مراحل للوصول إلى الإعلان عن عدد المناصب، الأسرة تنتظر فقط الوظيفة، أما ما قبلها فقد مل الجميع من لوكه في الأفواه.
لقد عاد المعطلون إلى الرباط وهم مؤمنون ومقتنعون تماما، أنهم استنفذوا كل ما لديهم من تبريرات ووسائل دعم وتمويل، ولم يبق لهم من حل لمواجهة استفسارات وانتظارات الأسر، سوى إعلان الحكومة عن الحل وإبلاغ الأهل بانفراج الأزمة وضمان المستقبل بوظيفة تحفظ ماء وجه شواهدهم العليا، وتبرز أن لمقاعد الجامعة فائدة وقيمة في هذا البلد الجريح، أما غير هذا فالأمور منفتحة على جميع الاحتمالات السيئة، لا يعتقد أي معطل مرابط بشوارع الرباط أن بإمكانه العودة مرة أخرى إلى الأسرة بدون وظيفة، ماذا بقي الآن؟
لقد صعدت المجموعات من وتيرة احتجاجاتها مؤخرا فأخمدتها تطمينات غير مسبوقة، الوضع مرشح للانفجار، فأي تطمينات أخرى ستنفع بعد كل هذا؟ ليس هذا وحسب وإنما حتى الوعود الأخيرة في لقاء 7 أبريل كانت بمستوى عال، عدد استثنائي من المناصب، إدماج نسبة كبيرة جدا من المعطلين المعتصمين بالرباط، 15 ماي كحد أقصى للإعلان عن الحل، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تعنيه كلمة " أقصى " فهذا يحيل على أنه لا مجال لتراجع الحكومة، مثلما يحيل على أنه لا مجال لتراجع حدة تصعيد المجموعات التي ستنطلق هذا الأسبوع، كل المجموعات تجمع على أنها ستصم آذانها حيال أي وعود أخرى، لم يبق للمعطل الآن سوى تقديم جسده لهراوات أجهزة الأمن كمقابل لسخطه وتذمره وفقدانه الأمل ولم لا روحه حتى، ليس للمعطل معنويات يعيش بها كل ما يحدث، لقد طفح الكيل والكل يعيش حالة مخاض نفسية خطيرة في وضعية تذمر لم يسبق لها مثيل في صفوف المعطلين، فهل ستأخذ الحكومة كل هذه المعطيات بعين الاعتبار وخصوصا القطاعات الوزارية التي تتعنت في الالتزام بنسبة 10 بالمائة المخصصة للأطر العليا المعطلة وتسارع إلى إنقاذ هؤلاء المعطلين من حالة اليأس التي يعيشونها؟ أم أنها ستترك الأمر بين يدي القدر وردود الأفعال المأساوية التي لا شك أن كل معطل يحمل في داخله الكثير منها خصوصا وأنهم أصبحوا تائهين في شوارع الرباط منتظرين للحل، لا هم قادرين على إيجاد عمل مؤقت يجابهون به مصاريفهم الضرورية بحكم التزاماتهم النضالية، ولا هم قادرين على العودة لحضن أسرهم بشكل نهائي بعد هذه السنوات من الاعتصام وبوجوه كالحة من فرط العطالة، وإخوة صغار ينتظرون توظيف الأخ الأكبر، لمساعدتهم في الدراسة ومساعدة الوالدين على مواجهة تكاليف الحياة التي ترتفع كل يوم.
لقد مر 15 ماي هادئا ولم تلتزم الحكومة بشيء مما التزمت به، كما أنه ليست هناك أدنى بوادر للحل، وأكثر من هذا فالأمور تعود إلى نقطة الصفر، بشكل يجعل الاستعداد إلى ما هو أسوأ يرتفع إلى درجاته القصوى، بكل ما يحمله من توقعات لكوارث إنسانية قد تقع أمام قبة لم يعد أي معطل يرغب في ذكر اسمها أو سماعه.
وإن غدا لناظره لقريب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق