الأطر العليا المعطلة والخدعة الكبرى


سعيد الحاجي، عضو مجموعة الصمود للأطر العليا المعطلة
وأخيرا، بدأت الإرهاصات الأولى للإعلان عن عدد المناصب المخصصة للأطر العليا المعطلة من طرف حكومة عباس الفاسي، قبيل الإعلان الرسمي عن الحل بصيغته النهائية وتسلم المدمجين لتعييناتهم والتحاقهم بمقرات عملهم، بعد سنوات من المعاناة في شوارع الرباط مع مختلف أصناف التعذيب المادية والمعنوية. 
إلى هذا الحد تبدو الأمور عادية بل وفي الاتجاه الإيجابي، لكن السؤال الذي يطرح من داخل المجموعات المرابطة بشوارع الرباط والتي لم يشملها الحل هو كالتالي : إلى أي حد جاء هذا الحل بالصيغة التي تجعل جميع المعطلين المعتصمين يشعرون أن هناك تدبيرا ذا مصداقية من طرف الحكومة لهذا الملف ؟
لقد رفعت الحكومة منذ الإعلان عن مسودة مشروع القانون المالي المتضمن لحوالي 24 ألف منصب شغل في الوظيفة العمومية من سقف وعودها لمجموعات المعطلين المعتصمة بشكل يومي بشوارع الرباط وأكدت على أن عدد المدمجين هذه السنة سيكون استثنائيا وأن  الوزير الأول ملتزم بنسبة 10 بالمئة من مناصب القانون المالي لفائدة حملة الشواهد العليا المعطلة بشوارع الربط، منذ ذلك التاريخ والمجموعات تتلقى التبشيرات من هنا وهناك بالحل الاستثنائي والكل آمن هذه المرة بأن الحكومة المغربية وعلى رأسها الوزير الأول ستكون في الموعد، وسيفعل عباس الفاسي أخيرا شيئا ما يداري به بعضا من محطاته الكارثية في المسؤوليات التي تولاها وعلى رأسها قضية النجاة التي نجا منها بنفسه وورط فيها ثلاثين ألف شاب مغربي.
لقد خرج الوزير الأول في معرض إجابته عن أسئلة البرلمان بخصوص تصريحه الحكومي بإجابات صادمة حول تطورات ملف الأطر العليا المعطلة، كان أبرزها توصل الوزارة الأولى إلى حدود نهاية ماي فقط إلى 900 منصب، في الوقت الذي كان فيها مستشاره يتحدث عن أكثر من ألف خلال شهر يناير وهو ما يكشف بشكل واضح إلى أي حد لا تهتم الحكومة بمصداقيتها أمام المعطلين، فهي تقول لهم أي شيء في أي وقت في استخفاف واضح بذكاء ألفي معطل هم مجموع عدد المعتصمين في شوارع الرباط، أما ثاني إجابة للسيد الوزير الأول المحترم هي كون الوزارة الأولى تتسول المناصب من القطاعات الوزارية من أجل إدماج الأطر العليا المعطلة، هذه الإجابة تحتمل قراءتين تتفاوتان في كارثيتهما، القراءة الأولى وهو أن مسألة تسول الوزارة الأولى للمناصب من باقي الوزارات يكشف عن عدم تجانس الحكومة وأن هناك وزارات أقوى من الوزارة الأولى في حكومة لازال المتتبعون إلى يومنا هذا لا يعرفون إلى أين تسير بالبلاد، هذا إن كانت هي  التي تسيرها فعلا، أما القراءة الثانية وهي أنه ليست هناك مقاربة مضبوطة وممنهجة بجدولة زمنية وتدابير مستقبلية لحل هذا المشكل من جذوره بقدر ما أن تدبيره مسألة عطف من طرف الحكومة على ( أبنائها ) المعطلين يجعلها تناجي وتستعطف القطاعات الوزارية لمنحها بعض المناصب لتشغيل هؤلاء ( الأبناء ) الذين تقطعت بهم السبل وحطوا الرحال أمام البرلمان لمطالبة الحكومة بتوظيفهم، في الوقت الذي يعلم فيه عباس الفاسي وأعضاء حكومته الموقرة أن أبناءهم الحقيقيين يستعدون لقضاء عطلهم السنوية في جزر الكاكاو بعد مواسم دراسية راقية في المعاهد العليا بكندا وأمريكا و فرنسا، أو يجلسون في مقاعد وثيرة ومكاتب مكيفة في مناصب وفرتها لهم ألقابهم العائلية ومناصب آباءهم، أولئك هم الأبناء الحقيقيون للوزير الأول وحكومته، أما الذين يدعي العطف عليه فلقد كابدوا عناء الدراسة في هذه البلاد التي لا تشجع في مناهجها التعليمية الرديئة حتى على تعلم كتابة الاسم الشخصي فبالأحرى الحصول على شهادة عليا بغض النظر عن طبيعتها وتخصصها، وكم كان تعبير أحد المعطلين بليغا في أحد نقاشات الأطر العليا المعطلة حين قال: لقد كانت المدرسة الابتدائية تبعد عن مكان سكن الأسرة بسبعة كلمترات والمدرسة الإعدادية بعشرين كلمترا والثانوية بثمانين كلمترا والجامعة بثلاثمئة كلمتر، وبعد الحصول على الشهادة العليا أستعد لقطع ألف كلمتر من أجل الوصول إلى الوظيفة، إنه لتعبير يبرز حجم معاناة فئة خاصة من الأطر العليا المعطلة الذين ينتمون لقرى بعيدة وكيف أنهم كافحوا وناضلوا منذ نعومة أظافرهم للحصول على الشهادة العليا، ليأتي عباس الفاسي أخيرا ويتظاهر لنا بالعطف عليهم، هؤلاء يا سيادة الوزير ليسوا محتاجين لعطف أحد، ببساطة لأنهم اعتمدوا على أنفسهم وإرادتهم وطموحهم وتحدوا مختلف الصعاب لكي يحصلوا على الشهادة العليا، بل الواجب عليك يا عباس الفاسي أن تعتذر لهم من موقعك الوزاري عن كل الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومات السابقة في حق طفولتهم ومراهقتهم وشبابهم بجعلهم يقضونها بين المسالك الوعرة والمحطات الطرقية من أجل الدراسة، يجب عليك يا عباس أن تكرمهم بإدماجهم في أقرب وقت وتهنئهم على المجهود الذي قاموا به بدل إكرام وفادتهم إلى الرباط بقوات متعددة الألوان تنال من أجساده المنهوكة أصلا في شارع محمد الخامس.
ثم هناك مسألة أخرى أساسية وهي الجانب القانوني في توظيفهم من خلال ادعاء بعض المسؤولين عن أن عملية الإدماج المباشر غير قانونية، في تجاهل صارخ للقرارين الوزاريين القاضيين بالإدماج المباشر لحامل الشهادة العليا، ربما يكون الوضع مختلفا عند إلغاء القرارين في وقت لاحق، لكن الذي يجب على المسؤولين معرفته هو أنه حتى في هذا الحالة فهذا القانون لا يمكن أن يطبق بأثر رجعي، فالمجموعات الموجودة بشوارع الرباط الآن تناضل في ظل قانون الإدماج المباشر ويطبق عليها نفس القانون ولا يعنيها ما سيأتي في لاحق الأيام.
إن بوادر الحل هذه السنة تكشف عن وجه بشع آخر لتدبير هذا الملف، وهي الزبونية والمحسوبية التي تطبع تدبير المسؤولين المغاربة لملفات التشغيل، فلقد أصبح واضحا أن هناك مجموعات وهمية بأسماء جاهزة ومحاضر تأسيس فارغة من التواريخ ينتهز المسؤولون فرصة اقتراب الإدماج كي يملؤوها بأسماء أقربائهم وعشائرهم الحزبية ويضعون لها تواريخ تأسيس تعود إلى ما قبل الميلاد حتى يدافعوا عن أقدميتها وأقدمية أعضائها في الوقت الذي نتحدى المسؤولين عن الملف أن يكشفوا لنا عن أسماء أعضائها وتواريخ تحصيل شواهدهم، لأنه قطعا سيسقط القناع عن الوجه البشع للذين يقتاتون على نضالات وتضحيات المعطلين المعتصمين بشوارع الرباط ويتحينون الفرصة للانقضاض على المكتسبات التي حققوها وتحويلها إلى مصالحهم الشخصية ومصالح أقربائهم ولم لا المتاجرة فيها بحكم أن من له الجرأة لاستغلال تضحيات المناضلين الشرفاء يمكن أن يفعل أي شيء له صفة القذارة.
لقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك من خلال بوادر حل هذه السنة الذي أخره المسؤولون عنوة حتى يختلسوا وقتا يعرفون أنه جد مهم من حل السنة المقبلة، اتضح أن كل تلك اللقاءات والحوارات التي كانت تجرى مع المجموعات المعتصمة ما هي إلا فصول من خدعة كبرى محبوكة بعناية من طرف القائمين على ملف الأطر العليا المعطلة، هذه الفصول التي تنوعت طبيعتها بين المحاولات المستمرة لتشتيت وحدة صف مجموعات الأطر العليا المعتصمة - التي كانت ناجحة - وكذا إعطاء مسكنات بين الفينة والأخرى للمجموعات لجعلها تغط في سبات عميق نسميه نحن في أدبياتنا التي اكتشفنا أنها خاطئة ب (الهدنة )، لأن الهدنة تكون مع من تظهر عليه علامات المصداقية والإرادة الحقيقية، أما مسؤولونا فقد انكشفت تفاصيل خدعتهم وسرى مفعولها في جسد مجموعات الأطر العليا المعطلة كالسم الزعاف.
لم يبق لمجموعات الأطر العليا المعطلة التي بقيت في شوارع الرباط للسنة المقبلة وهي كثيرة في ظل المعطيات الحالية ومؤشرات حل هذه السنة، إلا أن يعترفوا بكل مرارة أنهم وقعوا ضحية الخدعة الكبرى. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق