واقع الأطر العليا المعطلة
بكل جرأة وتجرد

أضغط هنا



بقلم : سعيد الحاجي، عضو مجموعة الصمود للأطر العليا المعطلة
إن نضالات الأطر العليا المعطلة اليوم، يفرض وقفة تأمل طويلة في الواقع الذي أصبحت تعيشه المجموعات المرابطة في العاصمة المغربية، خصوصا وأن الصورة اكتملت وتم الإعلان عن عدد المناصب والمجموعات التي ستستفيد من الإدماج خلال هذه السنة وتطبيق أكثر سيناريوهات التمزيق والتجزيء بشاعة في حق الأطر المعطلة، بعد انتظار طويل ومرير ومعاناة لا يعلم حجمها إلا المعطلون أنفسهم وذويهم.
إن الواقع الذي نتحدث عنه تظهر ملامحه جلية في التصريحات الصحفية والبلاغات والبيانات التي كانت ولازالت تحررها المجموعات المرابطة في العاصمة اليوم، والتي تثير مضامينها العديد من التساؤلات، خاصة وأن هناك على ما يبدو حربا طاحنة تدور رحاها في الكواليس بين المجموعات، وبرجوعنا إلى ما يصدر عنها فسنجد أن هناك بعض التصريحات الصحفية لا تخدم بأي وجه كان نضالات المجموعات التي يشكل وجودها في الرباط الضمانة الوحيدة لاستمرار الاهتمام الحكومي بهذا الملف، ولاستغلال هذا الهامش من حرية الاحتجاج الذي تناضل المجموعات في إطاره، كما أن هذه المجموعات تخدم الملف بشكل عام ويستفيد من نضالاتها حتى المجموعات المعروفة بالأشباح، وهي مجموعات تدين بالفضل الكبير للمجموعات التي تناضل في الرباط على مستوى أي إدماج تستفيد منه.
لكن الغريب في كل هذا، هو أن تلك المجموعات ( الأشباح ) أصبحت تستفيد من التوتر والتفرقة اللذان تسودان علاقة المجموعات ببعضها البعض، بل وتجد المجال الكافي لإطلاق تصريحات تنتقص من قيمة المجموعات المعتصمة في الوقت الذي لولاها لما استدعيت لأي حوار أو نقاش حول الملف، خصوصا وأن هذه الأخيرة عاجزة تماما عن تبني موقف موحد أو حتى صياغة بيان موحد للدفاع عن حقها من داخل الشارع.
وقد ظهرت من خلال البيانات والتصريحات الصحفية للمجموعات في فترات مختلفة، بعض النقط التي يبدو أنها الأساس في التفرقة بينها، وبكل جرأة ومسؤولية يجب التطرق إليها وإبرازها خدمة لمطالبها العادلة والمشروعة، وحتى لا تزيد هذه الحركة الاحتجاجية من النزول إلى الحضيض أكثر مما هي عليه الآن.
1 – إن المجموعات المستفيدة من الحل والتي لها أقدمية في الشارع وكابدت عناء الانتظار لمدة طويلة عانت فعلا خلالها الأمرين، كانت تبدو وكأنها في موقع المرتاح والمطمئن لإدماجه وبالتالي فهي ترى من موقعها أنه لا حاجة للدخول في أي تنسيق مع أي كان، ولا توجد هناك أرضية للتنسيق أصلا ما دام أن إدماجها مسألة وقت لا تتعدى الشهر أو الشهرين في الوقت الذي لازال فيه أطرها إلى يومنا هذا لم يتوصلوا بأي رد رسمي بخصوص مناصبهم والقطاعات التي يلتحقون بها وهم بهذا يؤدون نتيجة تهاونهم النضالي على مدى شهور طويلة، ورفضهم تبني مواقف مشتركة مع مجموعات أخرى في ظل تخوفات كانت لديها من تأخير انتقامي قد يزيد من معاناتها وهو ما حصل فعلا ليس انتقاما وإنما نتيجة السبات النضالي الذي دخلت فيه طويلا، بل الأكثر من ذلك إطلاق تصريحات صحفية تتضمن إشارات إلى من هو أولى بالإدماج ومن هو أكثر حركية وبروزا في الشارع، وهو ما كان يوحي بأنه لا رغبة للمجموعات التي لها أقدمية في الشارع أن ترى مجموعات أقل منها أقدمية تدمج هذه السنة وكأنها هي التي توزع المناصب وليس الحكومة وبالتالي وفرت تلك المجموعات على المسؤولين عناء تمرير رسائل إقصائية إلى المجموعات التي لم تستفد من الحل، كما أن الموقف الغامض لبعض هذه المجموعات بخصوص المجموعات الأشباح، يبقى الأكثر إثارة لعلامات الاستفهام إذا أخذنا بعين الاعتبار أن إقصاء بعض المجموعات التي لها أقدمية من الحلول السابقة كان من أبرز أسبابه دخول المجموعات الأشباح على الخط.
2 – إن مسألة نوعية الشهادة المحصل عليها ( دراسات عليا معمقة – ماستر ) كان له أثر كبير في طبيعة بعض البلاغات التي تصدر عن بعض المجموعات ورفضها للتنسيق مع مكونات الشارع الأخرى، بحيث نجد تلك البيانات والبلاغات تركز على الجانب الاجتماعي وأقدمية الشهادة، أكثر من اهتمامها بالشرعية التاريخية، ثم لجوئها إلى نوع غريب من الخطابات التي تتضمن رسائل مغازلة للحكومة والمبالغة في ذلك، ما أدى إلى شبه نوع من التسابق نحو صياغة العبارات المجاملة في البيانات وبل ونشرها في الصحافة الرسمية للحكومة في بلادة واضحة وخدمة مجانية للدعاية الحكومية حول معالجتها الجدية للملف وضرب صريح لبلاغات المجموعات الأخرى التي كانت تندد بالتسويف والمماطلة وإخلاف الوعود، كما كان تملص تلك المجموعات في بعض الأحيان من الأشكال النضالية للمجموعات الأخرى غريبا بتبني مصطلحات مثل ( الرصينة- المسؤولة )، في إشارة واضحة إلى أن الأشكال النضالية لباقي المجموعات صبيانية ومتهورة، وهو ما يؤشر على أن طبيعة النضالات أصبحت تتجه نحو ضرب المجموعات لبعضها البعض ونهج خطاب الاستعطاف واستدرار شفقة القائمين على الملف، وبطبيعة الحال إذا كان تبني هذا الخطاب هو التوجه السائد، فلا نعتقد بأي إمكانية للتنسيق على أرضية مشتركة، خصوصا وأن اعتماد الشرعية التاريخية كصيغة لحل هذه السنة بإقرارها من طرف المسؤولين، زاد من حدة تخوف بعض المجموعات التي ليست لها أي مصلحة في هذه الصيغة، وأي تنسيق من شأنه أن يكرس الأمر الواقع وبالتالي تعقيد وضعها في الحلول المقبلة وخاصة أوهام ( دفعة أكتوبر 2010 الذي ظهر كنوع من التنويم الجديد )، وهو ما يجعل التنسيق على أرضية مشتركة صعبا جدا في ظل هذه المعطيات اللهم إذا تجردت تلك المجموعات من الذاتية ولم تفسح المجال للمسؤولين لتكريس تفرقة من نوع آخر، وهذه نقطة سوداء في الواقع الحالي للأطر العليا المعطلة ونضالاتها، نقطة لا تخدم طبعا إلا من يهمهم تشرذم صفوفها.
إن العناصر المذكورة، بالإضافة إلى حساسيات أخرى كثيرة جدا لا مجال لذكرها في هذا الباب، تكشف على مستوى خطير من التردي في الفكر النضالي لمكونات هذه الحركة الاحتجاجية، أبرز مظاهره تتجلى في النقط التالية:
- سيادة الفكر الإقصائي من داخل المجموعات المعتصمة بالرباط
- ترسيخ فكرة مفادها أنه يجب قضاء أطول فترة ممكنة من الانتظار والمعاناة قبل الإدماج، وكأنه أحد المعايير المطلوبة إلى جانب الشهادة العليا في الوقت الذي يعتبر الإدماج الفوري أحد عناصر الثالوث الذي يؤطر نضالات مجموعات الأطر المعطلة في شوارع الرباط.
- التباهي بالتراكم النضالي واعتبار مجموعة دون أخرى سباقة إلى خوض بعض الأشكال النضالية رغم أن بعضها أتبث التاريخ خطأها جملة وتفصيلا ولا تدعو إلى التباهي بقدر ما تدعو إلى مراجعة الذات
- عدم إعطاء الأهمية لمبادرات المجموعات الحديثة وتجاهل بعض قراءاتها وتحاليلها ودعواتها للنقاش رغم أهميته بالنسبة لجميع المجموعات المعتصمة
- دعوة بعض المجموعات في حواراتها مع المسؤولين إلى إقصاء مجموعات أخرى من أجل إفساح المجال لإدماج أعضائها على حساب الآخرين
- رفض بعض المجموعات لتنسيق جماعي في بيان أو شكل نضالي بدعوى موقع اسم المجموعة في البيان، في تكريس لأحد أحط مظاهر الاختلاف بين المجموعات
- مهاجمة البلاغات الصادرة عن بعض المجموعات من طرف أخرى وكيل الاتهامات في زوايا الدردشة في المواقع الإلكترونية للمجموعات
- غياب البلاغات التضامنية بشكل كلي بين المجموعات رغم أن بعض المواقف تفرض إصدارها كواجب تضامني منزه عن الحسابات الضيقة ( الأطر التابعون قضائيا، الإصابات الخطيرة، تصريحات المسؤولين )
- ترويج الإشاعات من طرف المجموعات من أجل خلق الحركية والتوتر داخلها ودفعها إلى التصعيد بدل عن مجموعات أخرى حتى يتسنى لها خدمة أجندتها النضالية الخاصة وتحقيق النتائج بأقل الخسائر
- رفض بعض المجموعات قبول الدعوة إلى فتح نقاش جدي بين جميع المجموعات لتحديد مكامن الاختلاف والخلل، وتذويب الجليد بينها وفتح جسور جديدة على أسس واضحة
إن العناصر المذكورة في سياق تأمل واقع مجموعات الأطر العليا المعطلة بالرباط، تأتي من أجل وضع أسس جديدة لنضالات أكثر قوة وعقلانية، لأن ما يزيد من سوء تدبير الأشكال النضالية التصعيدية في بعض الأحيان وعدم نجاحها وعشوائيتها، هو عدم التنسيق بين المجموعات ونبذ الذاتية والاتكالية، إذ أن التنسيق على أسس تراعي حق الجميع في الإدماج والمكانة في الشرعية التاريخية، من أن شأنه أن يحقق نتائج أفضل على مستوى تدبير الملف مثلما يمكن أن يساعد الحكومة – بمنطق المدافعين عن مجهوداتها– في تدبير الملف من خلال توظيف الشارع كعنصر ضغط على القطاعات الوزارية للانخراط في تدبير الملف، ولسنا هنا في معرض الدعوة إلى التنسيق من أجل التصعيد فقط بالعكس فتدبير الملف لا يحكمه التصعيد فقط وإنما حتى تنظيم الاحتجاج وتنسيقه بشتى مظاهره، ولربما هناك أشكال نضالية أخرى ليس فيها تصعيد على مستوى الشارع يمكن أن تكون أكثر مردودية إذا وقع حولها إجماع من طرف المجموعات.
إن الحاجة اليوم إلى وضع ميثاق شرف بين المجموعات المعتصمة في الرباط، أصبحت من المتطلبات الملحة في واقع الأطر العليا المعطلة على مستوى المرحلة الراهنة، ومخطئ وواهم من يعتقد أن وضع المجموعات يدها في يد البعض سيؤدي إلى حرمان مجموعة دون أخرى من حقها أو إضعاف موقعها، بل العكس هو الصحيح، في الوقت الذي نجد فيه أن نفس الانتظارية ونفس القمع ونفس التماطل سيكون في وضعية أخرى مهما حاولت بعض المجموعات تبني خطابات وخط نضالي تعتقد أنه سيزيد حظوتها لدى المسؤولين ( وهو ما أثبت التاريخ خطأه )، فالثابت هو سياسة الدولة الماكرة أما المتغير نحو الأسوأ فهو واقع الأطر العليا المعطلة المعتصمة بالرباط.
قد يكون في تحليل واقع المجموعات الحالي من هذه الزاوية وبهذا الشكل خلال هذه الفترة الحاسمة، ما يثير بكل تأكيد تذمر بعض المجموعات مثلما يمكن أن تتعامل معه أخرى بنوع من الترفع بدعوى الدراية أكثر من الآخرين بواقع الحال، فيما يمكن أن تتعاطى معه أخرى بنوع من الواقعية والاهتمام، لكن الأكيد أن هذا التحليل هو من داخل الحركة الاحتجاجية، وأعتقد جازما أن تجاوز بعض مضامينه، إذا سلمنا أنه غير صائب في مجمله واحتوائه على بعض النقائص – وهذا وارد لأنها تبقى وجهة نظر شخصية لا تلزم أحدا - فإن تجاوز ونفي بعض ما هو موجود في طياته هو من باب الهروب إلى الأمام وزيادة الوضع تأزما في ظل غياب إرادة جماعية لفتح نقاش هو أحوج ما تكون إليه مجموعات الأطر العليا المعطلة المعتصمة في شوارع الرباط للمطالبة في حقها العادل والمشروع بالإدماج المباشر والفوري والشامل في أسلاك الوظيفة العمومية.
ولكم واسع النظر

بالوحدة والتضامن لي بغيناه يكون...............

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق