الزمن طويل جدا لمن ينتظر هكذا صرخ شكسبير في إحدى كتاباته، كأنه يعبر عن اللحظة التي نعيشها الآن، أو اللحظات التي تجثم على انفاسنا أو التي يجثم عليها الوهم ، و في نفس الوقت أمل في كون اللحظة التالية ستكون الأفضل ... رغم أن الشعور باليأس من الصفات الأساسية للحظات الوعي الزمنية، لكنها تبقى مشاعر أفكار و رغبات، و العالم أو الوقائع تختلف اختلافا كليا عن الأفكار. و الدليل أن ما تعلمناه من تجاربنا في الحياة أكثر مما تعلمناه في المدارس و الجامعات،مثلا قد ندرس المثالية في مادة الفلسفة ، فيقولون لنا أن الفلسفة المثالية أعادت للفرد كيانه الاجتماعي و السياسي و الديني، فحققت التوازن بين الفرد و المجتمع، كذلك أعادت المثالية للإنسان مكانته ، و أخد دوره باعتباره جزءا من المطلق و أحد تعبيراته ، فلا وجود للمطلق إلا من خلال الفرد، ووجوده يتم التعبير عنه في الأفراد الذين يشكلونه، و إلا أصبح تصورا فارغا و عدما.و إن إعادة صياغة الفردية و التفرد و تحقيق التوازن بينهما و بين مفهوم الطبقة و المجتمع أو الدولة يعد من الأهداف الملحة لتحقيق النهضة ، فلا صلاح لأمة تهمل قيمة الفرد و تفرده. و ما أصابني فعلا بالتشتت هي الفكرة القائلة أن الفلسفة المثالية ترتبط بالواقع و لا تنفصل عنه ، و أن مشكلة علاقة الفكر بالواقع قد شكلت محورها الرئيسي. فأنا لا أرى أبدا هذا الارتباط، بين المثالية و الواقع، خاصة واقعنا نحن كأطر نحمل شهادات عليا، أو حتى واقع العامل البسيط الذي يجد نفسه مضطرا لتحمل الاهانات النفسية و الجسدية من اجل الحصول على لقمة عيشه، أمام هذا المشهد نتساءل، أين مكانة الفرد في هذا المذهب الفلسفي الجديد فلسفة عنف المطلق، و تجاوزاته للجزئي و المحسوس و الجسد المقموع؟؟؟
إن ما نعرفه ، هو أن الأحداث التي حدثت لنا قد حدثت بترتيب محدد و بنظام ثابت، فقد قدر لنا ألا نشعر بالحياة إلا بعد تجاوز الآلام و التعالي فوق الصراع، قدر لنا أن نخرج من هذه التجربة بجسد مخضب بجراح القهر .... و بأحلام أصبحت كسيحة بفعل القمع و الإهانات اليومية. بعد هذا الاختبار أصبحنا ندرك علاقاتنا الإنسانية بهذا العالم الطبيعي الذي نشأنا فيه و ننتمي إليه، و نعد جزءا منه. كما أصبحنا على وعي بالقدر التي تعرفه المثالية عن العالم و عن الفرد . هذا العالم، الذي لا نجد فيه إلا الوقائع الصلبة و الثابتة، ولا نتعامل فيه مع الأفكار بل مع وقائع، الأفكار يستطيع المرء صياغتها كما يشاء، يستطيع المصلحون أن يحلموا باليوتوبيات ، و يتخيل العشاق كسب مودة محبوبتهم، و يحلم الفقراء بالغنى و المال، و المشردون بالبيت الدافئ، أما في عالم الواقع ينظم المجتمع نفسه وفق طبقاته ، و يظل العشاق يائسون مهزومون، و يظل الفقراء كما هم، و يرغبون دون جدوى، و تفصل المحيطات بين المهاجرين و أوطانهم، و قد تبتلع هذه المحيطات أجسادا طرية خرجت لتبحث عن أمل... أم عن و هم... لست ادري. لكن رغم الثبات الذي يعرفه العالم الواقعي إلا أن التجربة علمتني أن الإرادة القوية تستطيع تغيير العالم و تغيير الوقائع، فأقول أن العشاق يستطيعون أن يخوضوا قصة حب أخرى، و يجد المهاجرون الطريق إلى أوطانهم و يحصل المشردون على مأوى.... و لكن لكي يتم تبديل العالم لابد من العمل الجاد و المتواصل، إننا نعمل في عالم واقعي لا تتلاشي فيه جدران المنازل كما يحدث في الأحلام إنما تقف صامدة صمود أهلها أمام ريح شتاء قوية، و يمكن الشعور بوجودها وجودا حقيقيا ، فلا نرغب في رؤية الوقائع مرنة لينة ، إنما نرغبها عنيدة عناد أهل الصمود، و إدا أبدى العالم نوعا من الاحترام لإرادتنا، و لم ترتبط الصلابة بالقسوة فإن إرادتنا قادرة على تحقيق نوع من الاتفاق معه، و تشعر بنوع من الرضا من رؤية نتائج أفعالها.
كوثر الحراش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق