8 مارس يوم عالمي لامرأة معطلة



8 مارس يوم عالمي لامرأة معطلة



سعيد الحاجي : عضو مجموعة الصمود للأطر العليا المعطلة
يخلد العالم يوم الاثنين المقبل الذي يوافق الثامن من مارس اليوم العالمي للمرأة، تكريما للمرأة ودورها الكبير في المجتمع، هي التي كرمها الإسلام وأعطاها العديد من الحقوق مثلما أعطتها القوانين والمواثيق الدولية والمحلية.
إن للمرأة أدوارا محورية في التنشئة الاجتماعية لأي مجتمع كان، وهي تعتبر مصدر استقرار داخل الأسرة التي تشكل نواته، والضامن لتلك اللحمة العاطفية التي تجمع بين مكوناتها، وبالتالي كان ظلم المرأة شيئا مشينا لا ينبغي لأي كان الإقدام عليه.
ولقد عرف التاريخ حوادثا وقصصا كثيرة كان للمرأة دور كبير فيها، وكانت المرأة في بعض المحطات التاريخية صانعة لحضارات، مثلما كانت سببا في انهيار أخرى بأكملها، وصنع زعماء أقوياء وتولي الزعامة في تاريخنا المعاصر، وقيادة دول كبرى ومؤسسات ومبادرات حساسة، وكل هذا جاء نتيجة إعطاء المرأة الأهمية التي تستحقها والفرصة المناسبة لإبراز قدراتها ومواهبها وإن كانت سلبية في بعض الأحيان إلا أن هذا شيء تشترك فيه مع الرجل.
وفي المغرب عرفت حقوق المرأة تقدما وتحولا ملموسين من خلال العديد من المبادرات التي تهتم بها وتعيد الاعتبار إليها، وإن كان ذلك محط اختلاف على المستوى الديني والثقافي، إلا أن ذلك لا يمنع من القول أن هناك تحولا كبيرا في مسار المرأة المغربية والدليل على ذلك ما وصلت إليه في تدبير الشأن العام.
إلا أن كل ما يقال عن المرأة وتحسن وضعيتها في المغرب يخترقه سهم من التناقض الصارخ، حينما نسلط الضوء على مظاهر معاناة فئات كثيرة من نسائه، ومن بينها نوع خاص من النساء لم تطله بعد يد العيش الكريم، إنهن النساء المعطلات الحاملات للشواهد العليا واللواتي يعتصمن في شوارع الرباط منذ أكثر من سنتين وسط ظروف يستعصى حتى على أشد الرجال الاستمرار فيها، وهو الأمر الذي قلما نجد جمعيات نسائية تهتم به بشكل خاص ومتفرد، وقلما تنتبه إلى أشنع الانتهاكات لحقوق المرأة التي تتعرض لها مجموعات الأطر العليا المعطلة في شارع محمد الخامس بالرباط على يد قوات الأمن التي تسخر من طرف المسؤولين لقمع الأشكال النضالية السلمية لها.
المعطلات يعانين كثيرا جدا في مسارهن النضالي لتحقيق مطلبهن العادل والمشروع في الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية، يكفي فقط أن نعرف بأن الأغلبية الساحقة من أولئك المعطلات يأتين من مدن بعيدة للاستقرار في الرباط ونواحيها في ظروف مزرية وفي شروط سكن لا إنسانية من أجل الحضور بشكل مستمر للأشكال النضالية السلمية بغية إسماع أصواتهن للمسؤولين والرأي العام وإطلاعهم على ما يعانينه في سبيل الحصول على وظيفة تضمن لهن مستقبلا شريفا بعيدا عن ألسن مجتمع لا يرحم ومحاولة لرد جزء من الدين لأسرة كابدت عناء دراستهن وبناء أسر يحلمن بها منذ فتحن أعينهن في هذا الوطن المكلوم، وإذ يستوي المعطل والمعطلة في المعانة من نفس الظروف، إلا أن درجة التحمل هنا تصنع الفارق بدون شك.
هناك في شارع محمد الخامس أمام البرلمان، تنتهك كرامة المرأة المعطلة مئات المرات في نفس الوقت، فالمعروف عن المرأة أنها ذات إحساس مرهف وأن قدرة تحملها للإهانة جد محدودة، وليتصور البعض خصوصا تلك النساء اللواتي يتوارين خلف ستائر صالونات التجميل الراقية ويناقشن تفاصيل ومستجدات آخر دور الأزياء، كيف لامرأة معطلة أن تنام بمشاعر سليمة حينما تسمع أحط وأقذر النعوت لا لشيء سوى لأنها رفعت شعارا يطالب بحق أساسي من حقوقها.
كيف لامرأة معطلة وضعت الأسرة كل أملها في دراستها وشهادتها العليا، لكي تنقذها من واقع مرير لا يرحم، فإذا بها تأتي إلى الرباط لتمرغ كرامتها في تراب أحذية من لا قلوب لهم؟
كيف لتلك الأنوثة أن تصمد أمام إهانات متعددة، وكيف لمشاعر أن تستوي في ظل كل تلك التعسفات التي تتعرض لها والتي تهتز لها مشاعر أقوى الرجال؟
ما هو إحساس تلك المعطلة وهي تعيش بعيدة عن الأهل لمدد طويلة وتعيش على حوالات بريدية ترسل إليها من طرف أسرتها؟ وهل تكفيها نقود أسرة فقيرة أصلا لتدبير معيشها اليومي؟ ولكم أن تتخيلوا في أي اتجاه يمكن أن يتردى هذا الوضع.
هل تلك الإشراقة التي كانت في عيونهن حينما حصلن على الشهادة العليا مازالت هي نفسها بعد سنتين من المعاناة مع البطالة وقسوة المختصين في جرح المشاعر بسيوف وخناجر من المصطلحات والأحذية الثقيلة؟
عن أي أم نتحدث؟ عن أي زوجة؟ عن أي أخت؟ عن أي إبنة؟ تلك التي تداس أنفتها وعزتها في غمرة سنوات البطالة؟ وهل نتوقع مجتمعا سليما بدون امرأة سليمة المشاعر وماء وجه محفوظ؟ أي امرأة هذه التي تكسر أسنانها وتطرح أرضا بركلات قوية وتطارد في الشارع العام كأي متشردة، وتتلقى الضربات القوية في أعضائها الحساسة بدون أدنى مراعاة لخصوصياتها الفيزيولوجية؟
لقد عرفت مجموعات الأطر العليا المعطلة، انسحاب معطلات كثيرات لم يستطعن مواجهة كل هذا العنف، فهل نعرف أين هن الآن؟ وأي اتجاه سلكن؟ وهل كلهن صمدن أمام الواقع المرير ورضين بقضاء الله وقدره وتجاهل مسؤولين لا ضمير لهم؟ أم أنهن انهزمن واتخذن طرقا أخرى لإنقاذ أنفسهن واستسلمن لمخالب الزمن وأفواه ذئابه بعد أن اقتنعن قسرا بتفاهة الشواهد التي كن يفتخرن بها؟
إن يوم الثامن من مارس، يوم عالمي للمرأة ليس باستعراض المشاريع التي أشرفن عليها ونجحن فيها، وليس بالمطالبة برفع عدد المقاعد التي يجب أن يحصلن عليها في البرلمان، وليس بالمطالبة بحقهن في ارتداء الحجاب أو خلعه، وإنما هو يوم عالمي لاستعراض الجوانب المظلمة من معاناة المرأة المغربية، من نساء جبال وقفار المغرب غير النافع، إلى نساء شارع محمد الخامس أمام البرلمان بالرباط اللواتي يتأبطن شواهدهن العليا والصامدات المناضلات في صفوف مجموعات الأطر العليا المعطلة، إنه يوم عالمي للمرأة الصامدة في وجه القمع والقهر والتخلف والبطالة.
فتحية عالية لهن على صمودهن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق