الحوار الإجتماعي ... في انتظار ولادة اللجان الخماسية والفينيقية والفرعونية


.
الحوار الإجتماعي ... في انتظار ولادة اللجان الخماسية والفينيقية والفرعونية




هداري عبدالله : عضو لجنة الإعلام

تكتظ الساحة الشريفة أمام القبة غير المباركة في يوم من أيامها الجديدة كالمعتاد بالألوان التي تلف أجساد حاملي الشهادات، قوس قزحي تقرحي للتيه الذي يعيشه هذا النوع من الكائنات التي لم ترق في نظر دولتنا العزيزة - القريبة إلينا من حبل الوريد- إلى مصاف الكائن البشري، ولتقريب الصورة أكثر، لم ترق في نظرها إلى مصاف قيمة مضافة لهذه البسيطة ألا وهي الإنسان، فهذا الأخير مفهوم غير مُدَرَك لديها لحدود الساعة، وإنما ما يفهمه متسولونا الرسميون على وزن مسئولينا، إنما هو لغة الأرقام والأرقام والأرقام لا غير .. أما معادلة القيمة الإنسانية فهي شيء لم نبلغه ولا نريد بلوغه بعد. هذا الذي أدعيه هنا، إنما أكده في دواخلي ذلك التواتر اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي للصياح والصمت والضرب والركل والجري والاعتقال، صورة " ميتا إنسانية "، غير مفهومة لكل مراقب يرى هذا الاصطفاف الذي لا تعيره وزارات ولا مؤسسات حكومية وغيرها من " الحوانيت الرسمية " أي اعتبار، وأفضل ما قد تجود به، أن تذكر هذه الحشود بمن سبقهم في الاعتياد على زيارة هذا المزار الرسمي فما كان إلا أن طال بهم الأمد، فاعتبروا يا أولي الدبلومات، وتذكرهم بأنها تشترك معهم في جهل مستقبلهم، وجهل المصير الذي هم عليه وما سيكونونه في المستقبل القريب ... لا تزيدنا باختصار " حواراتهم " أو لنسمها " حروراتهم " لنا إلا ذبولا يوما بعد آخر، فالخطاب دائما : لا توجد معطيات، لا توجد أرقام، لا يوجد شيء يذكر .. عليكم بانتظار اللجنة السباعية والفينيقية والرباعية الدفع وغيرها من الماركات غير المسجلة.
أجدني حقيقة عاجزا ـ رغم كل المتاريس الأكاديمية في التحليل ورغم كل إنتروبولوجيات الفناء واليباب التي عرينا بها تضاريس البني المعرفية ـ في إدراك هذا التجافي العدمي، لحركة احتجاجية سلمية يدوم لأزيد من العامين والثلاث ... ولعل استغرابي الإنساني والفاقع إنما هو لتجاف يزيد عن اليوم أو اليومين أو الأسبوع أو الشهر .. أعجزت سياساتنا وسياسيونا وما تضمه مؤسساتنا من كوادر وأطر في وضع حد لمأساة هؤلاء الذين تباغتهم الآمال والأحلام يوما بعد آخر، لتخفت بعد ذلك أمام انهزام معانيهم الوطنية، وأمام خفوت ما تجرعوه من حقن تخص دروس التراب والدم والهوية وغيرها من المصطلحات التي شكلت قشرة وغلافا يجدونه يوما بعد آخر حاجزا بينيا يمنعهم من الاستفادة - دون غيرهم من ذوي الحظوة، وممن لا علاقة لهم بهذه الحقن التي تركتنا موشومين كنوع من أنواع الدواب المعدة لأجل ولحظة معينة ليس إلا - من خيرات هذا الوطن، والاشتراك في تشكيله اليوم وفق آفاق وطموحات العهد الجديد، والذي لا نراه إلا مقدما تنازلات يوما تلو آخر تعيده القهقرى نحو عهود قديمة، تشبع معانيها البئيسة كل المغاربة ... هكذا تجف ينابيع الاعتراف والاعتزاز لدى هذا الجيل ـ ذي السيكولوجية المحكورة والمحرودة... ـ يوما بعد آخر لتأخذ الجراحات في التوسع، ولتأخذ غربتهم عن هذا المكان الذي هم فيه في الانتشار كسرطان يفقدهم المناعة أمام إغواءات حماقات مسئولين لا تجمعهم بالمسؤولية أية اعتبارات تذكر، إلا مصالح عائلية ونزوات هنا وهناك، وجيوبا لابد من ملئها فوق الحساب وتحته ... وما بقي أفضح... ، هكذا تداس كرامتنا يوما بعد آخر وتتحاشانا هذه المخلوقات التي انتخبناها، وكأنها تعاقبنا على الورقة التي عزفنا عن أخذها للتصويت، وعلى الورقة التي صوتنا بها..، الحلول الممكنة لا يستشار فيها هذا المعطل ولا يتحاور معه فيها إلا حوارا صوريا تلمع به الأحزاب وجهها الشاحب، إذ الحوار لديهم لا يعدوا أن يكون حوارا بمفاهيم متخلفة ... أي مسكنات مؤقتة، لاعتراف صوري بنا كبقعة لون تغطي ساحات العاصمة يوميا، مؤثثة مشاهد المدينة في فوضاها المروعة ( عاطيا المنظر بعدا لهاذ المدينة..).
أستغرب بالفعل، كيف سيجد هذا الإطار نفسه ـ بعد تشغيله أو قبله ـ تجاه ما يروج له رسميا حول الوطنية والوطن بعد كل هذا الحرج الذي عاشه في مأكله وملبسه وراحته " كرامته " ووو.. ضيق ما أنزلت السماء به سلطانا يذكر .. نتجرعه مرا وجافا بدون سكر ولا ماء، نتجرعه ونحن نعيش في زمن الحداثة والحقوق والمركزية الإنسانية ... كثيرا ما نسمع الاستقالات المفاجئة في الدول التي نسميها غربية، لمجرد تأكد خبر كذب مسؤول ما، أو توارد اختلاسات عنه أو مناوشات صحفية من هنا وهناك... والتي تصل لحدود المحاكمات ... لكنها لدينا تبلغ حدودا أخرى أكثر ديمقراطية، يبقى فيها حلقك وجسدك المتهالك في الترامي والعويل السنين والسنين دون أن يلتفت إليك ولا إلى من لا يستمع لآهاتك من المسؤولين أية جهة أو لجنة أو ....، بل إن من يصنعون عذاباتنا يوما بعد آخر لا نراهم إلا معززين " ممرغدين " في كرم هذا البلد الذي نهان فيه على مدار الساعة. لا نراهم فيه إلا من منصب راق إلى ما هو أرقى منه...- ما عليناش الهضرة كثيرة أو خاصني نخلي شي جهد للشيعارات ديال غدا أو ما جاي - . ما دخلت فيه من نقاش قد يجده البعض قديما ومكرورا كما هي أوضاع المعطلين في هذا البلد كما قد يستأنس به البعض ... لكنها في الجملة، الحقيقة يا عزيزي، تحاصرنا يوما بعد آخر، مؤكدة الواقع الذي لا يرتفع، والذي يقدر لنا ـ لا قدرا ـ أن نعيشه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق